هل «الثقة بالنفس تُبنى كما فعل الهلال»؟ — ليس شرطًا!

رحلة تنظيرية قصيرة -غير مملّة- نحاول فيها فهم أوّل وأبسط سرّ من أسرار كتابة المحتوى التسويقي. تستطيع تطبيقه في كتابة بايو حسابك، أو صفحة هبوط منتجك، أو حتى تغريدة الجهة الحكومية التي يمثّلها قلمك!

قبل عام فقط، اكتشفت أن كلمة سيئ تُكتب هكذا، وليس سيء! خطأ إملائي غبي. «بعد 14 سنة خدمة في الكتابة؟» أحفظ القاعدة عن ظهر قلب (الكسرة أقوى من السكون!) وكنت أطبّق عكْسها كل يوم دون إدراك. يا ترى كم عدد الأشياء التي أعرف قواعدها وأكسرها بجهل؟ أو «فهاوة معرفية»؟ 

لا يهم، المهم أنّ لديّ «الثقة» للاعتراف بجهلي في مدخل نشرتي البريدية. وصباح الخير.


في سابقة تاريخية، أقصى الهلال السعودي قبل أيام مانشستر سيتي في دوري الـ16 من كأس العالم للأندية. وممّا طارت به رُكبان كتّاب المحتوى، تغريدة المركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية هذه

كلّ ما قرأتُه من انطباعات كان تصفيقًا للحساب وصاحب الفكرة. ورغم أنّي أتحاشى الظهور بمظهر «المحنّك» الذي يقول «لا» عندما يقول الآخرون «نعم». إلا أنّ الموضوع يستحق وقفةً محتوائية لتحليل ما حصل بهدوء بعد مرور الموجة.

اسمح لي أن آخذك في رحلة تنظيرية قصيرة -غير مملّة- نحاول فيها فهم أوّل وأبسط سرّ من أسرار كتابة المحتوى التسويقي.

هذا السرّ تستطيع أن تطبّقه في كتابة بايو حسابك، أو صفحة هبوط منتجك، أو حتى تغريدة الجهة الحكومية التي يمثّلها قلمك!

أن تعرف (من أين تنطلق) و(إلى أين تصل).

معظم الكتابات التي تُعرض عليّ أو أقرأها في حياتي اليومية متصفحًا عالم المحتوى. أكتشف أنّ أسباب إخفاقها أو تقصيرها يمكن تلخيصها في مدى تحقيق هذين المعيارين بدقة.

أولًا: من أين تنطلق 🏁

ضع نفسك مكان العميل/الجهة/الحساب الذي تكتب نيابةً عنه. تقمّص شخصيته، انطلق من احتياجه لا رغباته، ركز على نقاط قوته ورسائله. استعملها، وأبرزها بأفضل شكل ممكن، في أفضل زمانٍ ومكان ملائمين لها.

بعد أن تنتهي من هذا التقمص وتدوّنه على صفحتك البيضاء. اخلعه تمامًا، وافعل كل ما يساعدك على نسيانه. 🫗

ثانيًا: إلى أين تصل 🎯

الآن تقمّص شخصية فرد يمثّل شريحةً واسعة من الجمهور المستهدف: ما الذي تهتم لمعرفته؟ وماذا سيثير فضولك ويقنعك بجدوى (السحب أو اللايك أو النقر لمعرفة المزيد)؟ ما الألم الذي تعاني منه وتبحث عن علاجه، أو حتى قراءة المزيد عنه بطريقة مؤثرة مُقنعة؟ وكيف سيلفت هذا المحتوى انتباهك من بين الزحام ويصيبك بالشعور المطلوب؟

الزبدة: نجاحك -المبدئي- في المحتوى يعتمد على نجاحك في تقمّص شخصية المُرسِل والمُستقبِل، بهدف صناعة مادة اتصالية تربط الاثنين بصورة صحيحة، وتوصلك إلى نتائج حقيقية، سواءً كانت مادية أو معنوية.

هل هذه الطريقة كافية لنجاح محتواك؟ ❌

قلنا إنه أبسط وأهم وأوّل سرّ؛ لأنّه يشبه البوصلة. قد تكتب نصوصًا وأفكارًا رائعة وفيروسية الانتشار، لكنها تسير بك في الاتجاه الخاطئ. وهذا أسوأ من التوقّف عند نقطة الانطلاق. لكن البوصلة أيضًا لا تكفي لإيصالك إلى وجهتك!

نعود الآن لتغريدة الهلال:

أرى أنّ التغريدة ضعيفة بما احتوته من تشبيهٍ سطحي وسريع، ولا ألوم من عدَّها من أساليب «ركوب الترند» أكثر من كونها محتوى رصين مؤثر يتفاعل مع الحدث برسالة واضحة عميقة وملعوبة صح! 

لماذا؟

رغم ذكاء التغريدة في التقاط اللحظة، ونجاحها في تجاوز عشرة ملايين مشاهدة، تجاهلَت قاعدةً ذهبية في المحتوى الجماهيري:

«إذا مدحت طرفًا جماهيريًا في لحظة احتفالية، فأنت (ضمنًا) تستبعد الأطراف الأخرى.»

تسلَّل شعورٌ متوقّع إلى (بعض) جماهير الأندية الأخرى بأنّ جهةً حكومية انحازت إلى الهلال، ولو بشكلٍ غير مباشر. وفي كرة القدم خصوصًا، ردود الفعل لم ولن تكون منطقية، بل مندفعةً بالعاطفة، يسيطر عليها التعصب، حتى في أجواء احتفالٍ دولي بإنجاز غير مسبوق عربيًا وآسيويًا كالذي نجح في تحقيقه الهلال آنذاك.

أظنّ أنّ التفاعل سيكون أكثر موضوعية، ولن يقلّل الهجوم الذي شنّه المتعصّبون على الحساب، لو كُتب نصّ يحوم حول فكرة أنّ «فوز الهلال ليس وليد اللحظة؛ لأنّه بنى ثقته خطوةً خطوة، ونفس الشيء تحتاجه في حياتك.»

وسيكون الوضع أجمل وأمثل، لو كان التفاعل تعميمًا وتلميحًا دون تصريح. وكانت الجهة ستحصد ظهورً وتفاعلًا لا بأس به، دون أن تُتّهم بالانحياز المباشر، لو قالت شيئًا يشبه:

«تُبنى الثقة بالنفس خطوةً خطوة… سواءً في الملعب أو في الحياة!»

مع إقراري بحقيقة أنّ من يكتب ويده في الماء ليس كمن يفعل وأصابعه في النار = لحظة الحدث. وبالتأكيد لن تحقّق الرسائل الموزونة هذه عُشر الظهور والتفاعل الذي حقّقته التغريدة سريعة التحضير، لكنّها ستسير في الاتجاه الصحيح للبوصلة وتعزّز الصورة اللائقة للجهة.

أما عن تمرين العدد، كنت سأطلب منك إعادة صياغة تغريدة فوز الهلال!  لكنّي تراجعت بعد نتيجة مباراة البارحة. 💔

اكتُب نصًا بصوت الشركة التي تعمل بها، عن أهم منتجاتهم. وكأنها تتكلم عن مميزات المنتج وفوائده في غرفة مغلقة. ثم اكتب النص بصوت العميل وكأنه يشكو لصديقه عن احتياجاته ومشكلاته التي يحلّها ذلك المنتج. ثم اجمع المُدهش والمؤثّر من النّصّين وابدأ الكتابة الفعلية. ولا تنس إعادة الكتابة حتّى تملّ. ولا بأس أن تشاركني إياه في حسابك. 


الإلهام للهواة. والعمل الجاد للمحترفين. إن جلست تنتظر انقشاع الغيوم ووميضًا يضرب ذهنك، فلن تُنجز الكثير. أفضل الأفكار تولد أثناء العمل.

تشاك كلوز — مصوّر ورسّام أمريكي


وصلتني إجابات رائعة على سؤال العدد الماضي (ما وجه الشبه بين الخاطر والمخاطر) اخترت منها:

  • كلاهما تخاف منه — فاطمة أيمن

  • الاثنين تجمعهم مظلة وحده: التضحية. كمثال حي: المخاطر حررت الميم لأجل الخاطر — وعد البراهيم

  • كلاهما قائد، يحركك نحو فضاءاته — سارة باصالح

  • كلاهما يأتيان فجأة — لميس

العدد القادم -العاشر- سيكون استثنائيًا؛ سأخصصه للإجابة عن أهمّ الأسئلة التي وصلتني خلال التسعة أعداد الماضية. فإن شئت اطرح سؤالك هنا.


أفادتك النشرة؟ ودّك تستمرّ؟ أرسلها إلى ثلاثة أشخاص قد تفيدهم وشكرًا. 💙

المحتوى التسويقيالهلال
نشرة قوارش
نشرة قوارش
كلّ سبت

نشرة بريدية أسبوعية تفكّك ألغاز الكتابة لمَن يخوضون معارك سوداء مع الصفحة البيضاء! لن أعطيك نصائح سطحية ولا حِكم مكررة، بل أفكارًا حادّة، وأدوات مجرَّبة، تساعدك في شحذ قلمك وسنّ أفكارك. 🖋️