كيف تكتب قصة مدهشة من ست كلمات ✨

تكثيف المعنى في نصٍّ يتمتع بأقصى درجات الإيجاز، يحمّل كلمة واحدة عبء تفسير القصّة كلّها. وهنا تكمن الصعوبة واللذة.

اكره وظيفتك، اكره ساعة الرياضة، أو ساعات الدراسة، أو صوت المنبّه، أو القريب أو البعيد. أعلن كُرهَ كلِّ ما تُضطرّ لكرهه. لكن إيّاك أن تكره الكتابة، فهي المخرج الأخير لفوضى عقلك. وصباح الخير.


أزعم أنّه لو كان هناك نوع من الأجناس الأدبية يفيدنا بشكل مباشر في الكتابة التسويقية بشتى أنواعها، فهو فنّ كتابة القصة القصيرة جدًا. وأزعم أيضًا أن كلّ نصٍ مؤثر يتكوّن من قصة. سواءً كان عنوانًا لخبر أو مقالة أو حملة، أو حتى تغريدة، أو شعارًا لفظيًا (Slogan)…

فماذا أعني بالقصة هنا؟

كلّ نص يحمل في مضمونه: شخصيةً + هدفًا + صراعًا + عبرة. 

يضيف أساتذة المجال عنصرَي الزمان والمكان، وأراها غير ضرورية لأنها ستُفهم من السياق. 

لكني أضيف أهم جزءٍ يثير إعجابي في القصص القصيرة جدًا، وهو (المفارقة الذكية) كلمة واحدة في الغالب، تضيفها إلى النص فتقلب معناه رأسًا على عقب. 

مفارقة: لأنها تسير بالمعنى في اتجاه غير سائد، وقد تجبرك على إعادة القراءة.

ذكية: لأنها تعتمد على فهم القارئ وقراءته، وتسمح له بملء الفراغات وفقًا لخياله ونظرته الخاصة.
فإذا كنت تعتمد حتى الآن على تلقين المتابع المعاني بشكل سطحيّ ومباشر، لأنك تعتقد أنه بطيء الفهم، خذ جولة على التعليقات الأعلى إعجابًا في مقاطع تيك توك، وستعرف مستوى ذكاء جماهير عالمنا الرقمي.

وبالعودة إلى القصة القصيرة جدًا، فهي تختلف عن الرواية والقصة في كونها تسمح للقارئ أن يشاركك الكتابة. بل تسمح له أحيانًا أن يفسّر النص من زوايا لم تخطر ببالك وقت كتابته! وهذا شعور جميل لو علمه فاحشو الثراء لجالدونا عليه بالقوارش.

ومن ناحية أخرى قد يشعر القارئ أنه يعيش داخل قصة قصيرة جدًا: فهو إنسان لديه هدف فهم قصتك، ويواجه صراع أن لا يكون عاجزًا عن فهم بضع كلمات! ويترقّب الحصول على ثمرة متعة فهم ما وراء النص (العبرة).

وحتى لا أسرف في التنظير، اقرأ معي واستمتع بهذه القصص القصيرة جدًا من حول العالم، وأكمل المعنى في عقلك:

  • «للبيع: حذاء طفل، لم يُلبَس قط.»

  • «مات الدلو عطشًا على حافة البئر.»

  • «عيد زواجنا الخمسون.. مائدة لفردٍ واحد.»

  • «الجنازات الصغيرة هي الأثقل دائمًا.»

  • تجاوز مرحلة الكذب. أصبح شاعرًا.

  • امرأة أحبّت رجلًا فجعلتْه يحبّها.

ما المعاني التي تهاجم مخك في كل قصة؟ لا أدري، لكني متأكد أنها لن تتطابق تمامًا مع غيرك. وستلاحظ هنا كيف أنّ تكثيف المعنى في نصٍّ يتمتع بأقصى درجات الإيجاز، يحمّل كلمة واحدة عبء تفسير القصّة كلّها. وهنا تكمن الصعوبة واللذة!

وإن كان لا بدّ من تطبيق تقنيات القصة القصيرة جدًا في أوصاف تسويقية مباشرة، دعنا نقول ما هو منتجك؟

  • مخدة نوم؟

مخدّة تنام فيها خمس ساعات، بجودة ثمانية. (أقصد ثمانية ساعات والله.)

  • مطعم دايت؟ 

هنا تأكل كل شيء، وتخسر وزنك.

  • عيادة تجميل؟

 كلما قلّت ندباتك زادت ثقتك.

وهكذا…

وصلنا إلى تمرين اليوم: حاول كتابة قصة قصيرة جدًا لا تزيد على ستّ كلمات، تمثّل قصة حياتك أو قصتك مع الكتابة. وركز فيها على عناصر القصة الخمسة المذكورة آنفًا دون الإغراق في أسلوبٍ أدبي أو تسويقي، فتوظيف عناصر القصة بشكلٍ صحيح ومكثّف، كافٍ لإثبات قدرتك على اللعب بالكلمات والشخصيات والمعاني والرسائل… والتأثير بطريقة لا يتقنها إلا كاتبٌ بارع.

افعلها وافعل لي «منشنًا» في لينكدإن أو إنستقرام حتى أراك وأقرأك.


الكتابة مهنة يجب أن تثبت فيها موهبتك مرارًا لأشخاص لا يمتلكونها.

جول رينار


أعجبتني من إجابات سؤال الأسبوع الماضي (ما وجه الشبه بين البشر والبشرة؟):

  • كلها قابلة للتهيج. تتجدد مع الأيام. حساسة وحساسين. التعرض يحرقهم  — عمار أحمد

  • الاثنين محتاجين منك اهتمام دائم حتى يبَيضوا وجهك! — غريس منصور

  • كلاهما يُحكمان بالمظهر رغم أن الجمال الحقيقي أعمق من السطح. — سارة زيدان

وسؤالي لك اليوم: ما وجه الشبه بين الكُرْه والكرَة؟


  كتاب الحياة غرقًا — قصص قصيرة وقصيرة جدًا  أظنّها جيدة :)


أفادتك النشرة؟ ودّك تستمرّ؟ أرسلها إلى ثلاثة أشخاص قد تفيدهم وشكرًا. 💙

كتابةقصصقصص قصيرة جدا
نشرة قوارش
نشرة قوارش
كلّ سبت

نشرة بريدية أسبوعية تفكّك ألغاز الكتابة لمَن يخوضون معارك سوداء مع الصفحة البيضاء! لن أعطيك نصائح سطحية ولا حِكم مكررة، بل أفكارًا حادّة، وأدوات مجرَّبة، تساعدك في شحذ قلمك وسنّ أفكارك. 🖋️