الفوارق التسع بين الكتابة الأدبية والتسويقية 👉👈

خلاصة الدروس التي تعلمتها في رحلتي من الجُملة الجميلة إلى الجُملة المُقنِعة.

وصلتني في الأعداد الثلاثة الماضية أسئلة مهمة مازلت أقاوم رغبة الإجابة عنها، لكن ما يصبّرني أنّني أجمع أفضل إجاباتها لأنشرها مجتمعةً في العدد العاشر. وأنوي تكرار هذه المحطة كل عشرة أعداد. وصباح الخير.


كثيرٌ من أصدقائي الكتّاب، خصوصًا القادمين من خلفيات شعرية أو أدبية، يخلطون —من غير وعي أحيانًا— بين أساليب الكتابة الأدبية والكتابة التسويقية.

يكتبون النصوص الإعلانية كما لو أنهم يؤلّفون قصائد أو خواطر، وهذا متوقّع، لأن اللغة الأدبية تمنح صاحبها شعورًا بالتفرّد والجمال. لكن في عالم التسويق، لا يكفي أن تكتب نصًا جميلًا؛ بل يجب أن تكتبه واضحًا، ذكيًا، يُقنع ويدفع إلى فعلٍ واضح، أو يخلق انطباعًا محدّدًا.

أشبّه الانتقال من الكتابة الأدبية إلى الكتابة التسويقية بالانتقال من العزف المنفرد إلى العزف ضمن فرقة: لا تزال تصنع النغمة، لكنك تصغي لغيرك، وتؤدي بإيقاعٍ يسمعه الجمهور وحده.

ولئلّا يبدو صوتك نشازًا في عالم التسويق، إليك تسعة فوارق جوهرية بين الكتابة الأدبية والتسويقية:

أولًا الكتابة الأدبية تنحت الزمن… والكتابة التسويقية تطارده!

في الأدب، الزمن عنصر من عناصر البناء. لديك متّسع لتتدرّج، وتتأمل، وتُدخل القارئ في جوّ النص بهدوء.

أما في التسويق، لديك ثلاث ثوانٍ في بداية المقطع، أو أربع كلمات في أول سطر. عليك أن تبدأ بقفزة… لا بمشهد شروق!

ثانيًا الكاتب الأدبي يهمّه «كيف أقول؟» الكاتب التسويقي يتساءل «ماذا أقول؟ ولماذا؟»

الأديب ينقّب عن أجمل تركيب للجملة، أرقى تشبيه، وأذكى استعارة لغوية.

أما الكاتب التسويقي، فيُحاسب كل كلمة: هل تخدم الهدف؟ هل تقرّب القارئ من الخطوة التالية؟ وإلّا، تُستبعد دون تردد.

ثالثًا الأدب يحترم الغموض… التسويق يعاديه (ما لم يكن جزءًا من تشويقٍ محسوب)

في الأدب، الغموض يخلق فتنة، ويجعل القارئ يُكمل بدافع الفضول.

في التسويق، الغموض يزرع الريبة والشكّ. لا أحد يشتري شيئًا لا يتعلق به، ولا أحد يتعلّق بشيء لا يعرفه حقّ المعرفة!

رابعًا الأدب يراهن على الشعور… والتسويق يراهن على الفعل.

نهاية القصة الأدبية قد تتركك متأملًا، باكيًا، منزعجًا، ضاحكًا، أو تفتح شهيّتك لإعادة القراءة!

أما النص التسويقي، فنهايته لا تُقاس بالأثر العاطفي (غالبًا)، بل بالفعل الذي يليه: ضغطة شراء أو زيارة أو متابعة أو مشاركة.

خامسًا في الأدب: القارئ يبحث عن الكاتب. وفي التسويق: الكاتب يبحث عن القارئ!

في الرواية مثلًا، يمنحك القارئ وقته لأنه مأخوذ بأسلوبك، بلغتك، بخيالك وتأملاتك…

أما في التسويق، فالقارئ لا يعرفك أصلًا؛ أنت تحاول إيقافه وسط زحام الحياة ومحتواها، لتُقنعه برسالة خاطفة تدفعه لإعادة التفكير.

سادسًا في الأدب: «أنت» البطل. في التسويق: «الجمهور» كل القصة.

الأدب يبدأ من الداخل؛ من شعورٍ خاص، وتأملٍ شخصي، وشخصيات تدور في فلك الكاتب.

أما التسويق، فيبدأ من احتياج القارئ، ويُصاغ ليخدمه، ويُقاس بمدى اقترابه من واقعه.

سابعًا الأديب يراهن على ذكاء القارئ… والمسوّق يراعي تشتّته!

في الأدب، يكفي أن تُلمّح. في التسويق، لا بد أن تشرح. ليس لأن القارئ ساذج، بل لأنك بالنسبة له حساب عابر يحاول خطف انتباهه. وحين تنشغل بإبهاره، تنسى إقناعه… فتخسره.

ثامنًا في الأدب، تجوز «قلة الأدب» وقد تُثمر عن مبيعات وجوائز!

في التسويق، تجاوزٌ وحيد يضع علامتك في القائمة السوداء بأذهان الجماهير ويقطع طريقك إلى «محافظهم».

تاسعًا التسويق يؤكّل عيش، الأدب لا يفعل.

في الوقت الذي يكتب فيه الأديب: «كل النهايات مرآة لبدايات لم ننتبه لها.»
يختم الكاتب التسويقي نصّه:«العرض ينتهي غدًا… لا تفوّت بدايتك الجديدة.»

فيحصد الأول «لايكات»، ويحصد الثاني المبيعات. 💸


الكتابة هي المهنة الوحيدة التي لا يعتبرك فيها أحد مثيرًا للسخرية إذا لم تكسب منها مالًا. جول رينار


أعجبتني من إجاباتكم على سؤال العدد الماضي (ما وجه الشبه بين الوقت والقوت والقوة؟):

  1. نِعَم تستعيرها ولا تمتلكها. صعبة الحيازة وسريعة النفاد. الكثير منها يقلبها إلى نِقَم. — أحمد تاج الدين

  2. نِعم تدرك قيمتها بعد انتهاء صلاحيتها — أحلام إدريس

  3. جندي الله وجنودك — ساهر القرني

وسؤالي لك اليوم ‏ما وجه الشبه بين الكاتب والكاذب؟


ما منّا إلا له نصيبٌ من العرنجية، أدرك ذلك أم لم يُدركه. لذلك أوصي بقراءة هذه المقالة وإعادة قراءتها، وإضافة تدقيق «عرنجي» خاص لنصوصنا؛ هروبًا من الركاكة.


هذا والله أعلم.

أعجبتك النشرة؟ ودّك تستمرّ؟ أرسلها إلى ثلاثة أشخاص قد تفيدهم وشكرًا. 💙

النشرة في الموقع 🔗

التسويقالأدبالكتابة
نشرة قوارش
نشرة قوارش
كلّ سبت

نشرة بريدية أسبوعية تفكّك ألغاز الكتابة لمَن يخوضون معارك سوداء مع الصفحة البيضاء! لن أعطيك نصائح سطحية ولا حِكم مكررة، بل أفكارًا حادّة، وأدوات مجرَّبة، تساعدك في شحذ قلمك وسنّ أفكارك. 🖋️