كيف تغيّر «مخالفة التوقعات» نصّك!

لهذا السبب الكتابة لا تؤكل عيشًا.

شكرًا للذين كذبوا علينا في بداياتنا وأقنعونا بأنّنا رائعون. وشكرًا للذين يكذبون علينا الآن. صباح الخير.


قبل أن تقرأ حرفًا من هذه المقالة، اعلم أنّ معظمها ثرثرة قد لا تفيدك لكنّها ستعجبك وتأسرك لقراءة ما تبقى، فإن كنت إنسانًا عجولًا لا يريد أن ينفق وقته في القراءة، أو جهولًا تظنّ أنّ وقتك أثمن من كلامي، فلَك أن تنتقل إلى الفقرة الأخيرة (كيف أجعل نصي ممتعًا وآسرًا بطريقة عملية). ثم أما بعد:

مصارحة مكرّرة

سأبوح لك بسرّ بما أنّك أكملت القراءة. أصنّف مقالات نشرتي إلى نوعين، نوعٌ أكتبه لأني أعرف أنّ الجميع يريده ويشاركه ويستفيد منه، ونوعٌ أكتبه لأنّي أريد أن أكتب وأتخلّص من بعض الأفكار المتكدّسة، لأنّ «عقلي الكبير» لا يحتمل. أو ربّما لأنّي إنسان انطوائيّ لا يرتاح لمواجهة الكاميرا والتحدث أمامها حتى لو كان الفيديو موجهًا لحفيده المستقبليّ (نوّاف بن بتّال).

المهم أن هذه المقالة من النوع الثاني، النوع الذي يمكن أن أقطع به التوتّر الناتج عن الصمت حين أجلس مع صديقي الشاعر عمّار في مقهى شبه فارغ في جنوب جدة.

علاقتي متوتّرة مع المدح!

وصلني في حياتي مديحٌ متنوّع، أتعامل مع معظمه على أنّه حقيقة مفروغ منها، ومع بعضه على أنّه كذب مفروغ منه. حين يصلني ثناء من زميل في العمل أو قارئ للنشرة أو شريك من شركاء حياتي.. أعرض قوله على مجهري الشخصي لفحص الحقيقة، فإن كان المدح موضوعيًا احتفظت به لإحدى نوائب الدهر. وإن كان تسليكيًا قاطعت قائله: «بطّل كذب ياخي»، أو «أهاا.. طيب»، أو «شكرًا».

من بين المدائح المبالغ فيها رسالة وردت إلى بريدي، كُتب فيها «أنت يا نواف الكاتب الذي أثبت أنّ الكتابة تؤكّل عيش». وقبل أن تسيء الظن بأنّي أكلت العيش والمقلب، أجزم لك أنّ الكتابة لا «تؤكّل عيش» بل تؤكل ذهبًا! ولم أصل لمرحلة الذهب حتى الآن لكنّي في الطريق إليها بعون الله ثم برعاة هذه النشرة الذين سيدفعون لي أموالًا باهظة عمّا قريب كي أضع روابط منتجاتهم قبل أن أجرّبها.

متى تؤّكل الكتابة ذهبًا؟

حين تحبّها وقد تكلّمنا عن الحب مرارًا وأكّدنا على ضرورة الخروج مع الكتابة في مواعيد غرامية لا تنتهي بالضرورة بسكب حبرك على ورقة.

وحين تتقنها بالتعلّم ممن سبقوك علمًا أو عملًا، وبإدمان إعادة الكتابة.

وحين لا تتكبّر عليها فتعرف أنّك ما زلت وستظل طالبًا في مدرسة القارئ. أيًا كان الجمهور الذي تخاطبه: مصلّون يستمعون إلى خطبتك يوم الجمعة، متابعوك في إكس، قرّاء نشرتك البريدية، أشخاص مضطرون لمشاهدة إعلانك في يوتيوب قبل أن يختاروا «التخطي» بأحد أصابعهم، عميل عميلك الذي يقرأ ملفّه التعريفي… في كل الأحوال عليك أن تتعلّم من استجابة الجماهير المتقلّبة، وتدرسها كل يوم بعين مختلفة، وترصد وتغيّر بناءً على ما تكتشفه دون أن تسمح لهذا العامل (وحده) أن يوجّهك.

كل ما سبق كلام نظريّ، لن أعتذر عن إطالتي فيه لأنّي حذرتك من البداية.

إذن كيف أجعل نصّي ممتعًا وآسرًا؟ بطريقة عملية؟

سأنقل لك تجربتي كما اعتدت. فأقول لو كان للكتابة أداة سحرية فهي السرد القصصي، وإن كان للسرد الممتع أداة فهي مخالفة التوقعات.

وحتى أخالف توقّعاتك من البداية سأتحدث عن نفسي وأشياء لم أفصح عنها من قبل. أشعر أنّني موهوب بمخالفة التوقعات: خالفتُ توقعات أمّي حين لم أدرس طب الأسنان واخترت الهندسة، وخالفت توقعات أبي حين نصحني باختيار الهندسة المعمارية فاخترت المدنية، وخالفت توقّعاتهما معًا حين تركت الهندسة وعملت بالكتابة. ثم خالفت توقعات زوجتي الثانية حين أخبرتها برغبتي في الزواج من ثالثة، وسأخالف توقعاتك إن صدّقت هذا كله!

مخرج طوارئ

قبل أيام قرأت لصديقي الشاعر أيضًا محمد عمر — وبالمناسبة لم أكتشف سرّ حبّي لصحبة الشعراء، ربّما لأنّهم يخالفون التوقعات فيقولون ما لا يفعلون — مقالةً جميلة يقول فيها «لا تخبرني عن نجاحاتك، أرني كيف فعلتها!»، لذلك لم أخبرك نظريًا ماذا تفعل، وكيف تخالف التوقعات. لكنّي أريتك إياها في هذه المقالة التي لو أعدت قراءتها بعينٍ فاحصة ستجد أنّها اعتمدت كلّيًا على مخالفة توقّعاتك تجاه الكثير من الكلمات التي ظننت أنّها ستُكتب بعد كلمات معيّنة لكنّك صُدمت بغيرها، وهل الكتابة إلا احتمالات؟

حتى الصديق العجول الذي ظنّ أنّه سيفلت من ثرثرتي وانتقل إلى الفقرة الأخيرة، سيضطرّ الآن إلى قراءة المقالة من بدايتها لفهم ما ورائيّاتها، وربّما سيقسم أنّه لم يفهم منها شيئا، فقط ليخالف توقّعاتي. 🤷🏻‍♂️


«لا تعطني السمكة ولا تعلّمني كيف أصطاد، علّمني السباحة.» 🏊‍♂️

بولمان سبارك — تعرفه؟


تساءلت في العدد الماضي: لماذا يستمتع الناس بالبحث عن الفضائح؟ ودارت معظم الإجابات حول الشعور بأفضليّتهم حين يطّلعون على سقوط غيرهم، لكنّ هذه الإجابات كانت غير متوقّعة:

  • لكي لا يأسوا على مافاتهم — أمجاد الغامدي.

  • لأن فضائح الآخرين ترفع عنّا الضوء قليلًا، فيبقى ظلّهم ساترًا لفضائحنا — غالية فهد.

  • لأن هناك دائما الاكثر جرأة على اقتحام الحد، يعفي الكثير عناء التجربة، و يوفر للكل لذة ألوان ما بعد الاحمر ...فالاكتشاف طبعٌ مبهر— كوثر العوادي.

أما سؤالي لك اليوم، لماذا يخاف الإنسان من مخالفة التوقعات؟ 🔗


هذه المقالة الحديثة من عبدالله حمدان وأمجاد بنت عودة قراءتها واجبة على كلّ كاتب بالعربية. وهي امتداد لمقالة سبقتها. لا تفوتّنّكم.


أعجبتك النشرة؟ ودّك تستمرّ؟ أرسلها إلى ثلاثين شخص وتابع قناة الواتساب ليصلك الجديد.

أسلوب الكتابةمهارات الكتابةالتوقعات
نشرة قوارش
نشرة قوارش
كلّ سبت

نشرة بريدية أسبوعية تفكّك ألغاز المحتوى لمَن يخوضون معارك سوداء مع الصفحة البيضاء! 🖋️