لماذا تفشل الجهات في التفاعل مع اليوم الوطني؟ 🇸🇦

خيالنا كسول، ينسخ الصورة الأكثر شيوعًا لا الأكثر صدقًا. وعقولنا تعمل في وضع حفظ الطاقة! ما الحل؟

من نعم الله عليك أن تعرف في بعض المواقف أنك ثقيل على قلوب الناس. ومن أعظم النعم أن تُرزق بإنسان يلمّح لك حين تثقل عليه/على أحد. وأعظم من هذا كله أن تفترض أنك ثقيل فتخفف على البشر ولو لم تكن كذلك! وصباح الخير.


لو طُلب منك أن تكتب فلم رعب قصير، خلال ساعة، ستكتب عن إنسان يواجه مجموعة من مصّاصي الدماء ويحاول الهرب منهم. وإذا نجوت من هذا الكليشيه فلن تنجُ من بقية القوالب، هياكل عظمية تتحرّك فجأة أو أشباح بأعينٍ بيضاء تطلّ من الظلام. 

ولو طُلب منك أن ترسم طبيبًا في ثلاث دقائق، في الغالب سترسم رجلًا بمعطفٍ أبيض ونظارات وسماعة طبية، رغم أنّ عدد الأطباء الذين قابلتهم بهذا المنظر على أرض الواقع أقلّ بكثير من عدد الأطباء الذين اضطررت لزيارتهم طوال حياتك. 

واسمح لي أن أثقل عليك بمثالٍ ثالث. لو طُلب منك تمثيل شخصية شرطيّ مرور، ستمثّل ما زرعه ناصر القصبي في عقلك وشاهدته على شاشات الدراما العربية لسنوات.

إذن: خيالنا كسول، ينسخ الصورة الأكثر شيوعًا لا الأكثر صدقًا. وعقولنا تعمل دائمًا في وضع حفظ الطاقة، فتركن إلى القوالب الجاهزة وتخاف من التجارب الحيّة والخيالات الحُرّة!

وبناءً على كلّ ذلك، لو دقّقت في  مُعظم الأعمال المواكبة لليوم الوطني خلال السنوات الماضية، بإمكانك ببساطة اكتشاف مقادير الخلطة السرية لإعلانات اليوم الوطني: 

ابدأ بنصّ التعليق الصوتي دائمًا! ضع كمية مناسبة من مفردات الأصالة والتراث والتأريخ (بالهمزة)، وأضف إليها تشكيلة من الطموح والإلهام والتغيير. ثم زيّن نهايات الجمل بكمّيات من السجع المتكلّف حسب الرغبة. امزج العَلَم مع القِمم، والتراب مع السحاب، والمكان مع الإنسان، والحِلم مع العِلم، والغريب مع القريب… اقترح لقطات لمبانٍ شاهقة تلامس الغيوم، وصحارٍ واسعة، وأطفال يركضون. ولا تنسَ لقطات الجنود ببدلاتهم الرسمية، والمهندسين بخوذاتهم البيضاء. ثم دع الموسيقا تؤدي دورها في إخفاء عيوب الفكرة والنص والإنتاج، وإجبار المُشاهد على مشاعر محددة. ولا مانع من معرفة اسم الجهة التي تكتب لها، وقولبة الوصفة بما يناسب جمهورها، ثم إلصاق خدماتها ومميزاتها بطريقة مدروسة في آخر عشر ثوانٍ من الإعلان. وبما أنّ «الجمهور ملول ولا يستمر في مشاهدة مقطع يتجاوز دقيقة ونصف» العب في هذه المساحة ولا تتجاوزها. ثم اقترح مضاعفة أرقام المشاهدات والتعليقات بطرق بسيطة، ستعرفها حين تلقي نظرةً على طلبات الرسائل الخاصة التي تجاهلتها لسنوات من حسابات الدعم في إكس.

ما كُتب أعلاه هو الخلطة السرية لكتابة سيناريو آمن جدًا وتقليدي جدًا للتفاعل المؤسّسي مع مناسبة اليوم الوطني، وهذا يمثّل 62% ممّا شاهدناه العام الماضي، وسنشاهده في الثلاثين يومًا القادمة من جهاتٍ كبرى، مع بالغ الأسى.

وسؤال اليوم: لماذا تعجز معظم الجهات عن تقديم فكرةٍ تفاعلية مختلفة ناجحة؟

إذا استثنينا نسيان اليوم الوطني وتذكُّره فجأةً قبل حلوله بأسبوع أو شهر، وتجاهلنا اعتماد الفكرة «الإبداعية» والنص من المالك أو رأس الهرم الإداري في الجهة، وتعامينا عن الميزانيات الضخمة في أيدي المنتجين، الضئيلة في أيدي الكتّاب والمبدعين… فقد يبدو الجواب منطقيًا: 

الابتكار صعب والتكرار سهل. التجديد خطِر والتقليد آمن!

هناك مئات الكتّاب الذين سبقونا في التفكير ومحاولة كتابة إعلانات وفيديوهات تفاعلية مميزة لمناسبة متكرّرة بحجم اليوم الوطني، فلماذا نُجهد أنفسنا في خلق أفكار لا تعتمد على مراجع واضحة وأمثلة حية سهلة الاعتماد والتنفيذ والترويج؟

من جهةٍ ثانية 

هناك فخّ عميق يقع فيه الكاتب أو المسؤول عن اعتماد توجّه المحتوى في الجهات الحكومية وغيرها، وهو أنّه يفكر في دائرة المحتوى نفسه الذي تغذّى بصريًا وذهنيًا به على مدى سنوات من مشاهدة منشورات وإعلانات الجهات الأخرى. ولضرورة توضيح هذه الفكرة بعمق، ذكرتُ أمثلة فلم الرعب وسمّاعة الطبيب وشرطيّ المرور في البداية. وخطورة هذا الفخ أنك لن تدرك وقوعك فيه إلا بعد أن ينتهي اليوم الوطني بقرن.

من جهةٍ ثالثة

كلما حاولَت جهة أن تخرج من الصندوق، هوجمت ولو بعد حين. وهذا ما حدث مع ثمانية حين صنعت مقطعًا بسيطًا وظريفًا جدًا عن الذاكرة الجمعية للمجتمع السعودي بصفتها مكوّنًا رئيسًا لهوّيته. فحتى الآن هناك من يتهمها بالإساءة إلى الوطن وأهله وعاداته! وهذا من العجب الذي لا تملك أمامه إلا أن تصمت وتُسبّح. وهذا «الاستقعاد» من أهمّ أسباب حرص معظم الجهات على اللعب في المساحات الآمنة.

فكّرت هنا أن أختم وأقول بأن تشخيص المشكلة = ثلاثة أرباع الحل! وهذا هروبٌ آمن جدًا يُخفي طريقتي في التفكير، لكنّه ممل جدًا. وقد وعدتكم «أن لا تصبح هذه النشرة مملةً لي، لأنها ستصبح مملةً لكم.» لذلك سأشاركك بضع نوافذ غير بديهية، قد تساعدنا في اكتشاف بذرة فكرة مميزة لأحد الأيام الوطنية القادمة:

  • وثّق السعودية بعينِ حاج أو معتمر أو سائح أو عامل نظافة، أو شخص يزورها لأول مرة. ما التفاصيل الدقيقة التي تجعل هذا الوطن مختلفًا من منظوره؟

  • ابحث عن سعودي عمره 95 سنة وأجرِ لقاءً معه! ما هي مشاعره وأفكاره؟

  • اكتشف المزيد من الرموز الوطنية: الجميع يكتب عن القيادة والعَلم ورجال الأمن، الرؤية والخارطة والمنتخب، المعلّمين والمهندسين وصنّاع القهوة… ما الذي لا يراه الناس رمزًا لكنه كذلك؟

  • اكتب قصةً من المستقبل. فكّر في السعودية بعد 95 من الآن، كيف ستكون وماذا سيكتب عنّا أحفادنا آنذاك؟

  • هل الوطن مكان؟ لماذا حين تفكّر فيه بعمق يصبح زمانًا؟ وحين تفكّر فيه بعمقٍ أكبر تكتشف أنه جزء من وجودك وكينونتك؟

  • ابدأ التفكير للعام القادم من الآن، لا تنتظر يوليو القادم! ابدأ بتسجيل خواطرك المتناثرة، أو اضبط منبّهًا شهريًا لكتابة سطرين من الفكرة أو تنقيحها أو تحويلها إلى سيناريو ببطءٍ شديد، فالإبداع يتمدّد بتمدُّد الزمن المتاح له، كما يقول بولمان سبارك.


«إذا كان هناك ما هو أشد خطورة من الإفراط في المخدرات، فمن دون شك هو الإفراط في الوعي وإدراك الأشياء.»

فرانس كافكا


سألنا في العدد الماضي (لماذا يمسك الإنسان رأسه حين تنزل عليه مصيبة؟) ودارت معظم الإجابات حول خوف الإنسان من فقدان رأسه أو طيران عقله، لكن هؤلاء كان لهم رأيٌ آخر:

  • حتى يضم فتات الصدمة! — خلود خالد

  • لكي لا يلمس قلبه... ويخر هباءً وسط فوضاه. — كوثر العوادي

  • لأن كتفين فقط لا يكفيان لحمل رأس ممتلئ بالصدمات. — عمر الأنصاري

سؤال اليوم أجب عليه بفلسفتك الخاصة في أقصر نصٍّ ممكن:

لماذا يناقض الإنسان نفسه؟ 🙅🏻‍♂️


أفادتك النشرة؟ تودّ أنّها تستمرّ؟ أرسلها إلى ثلاثة أشخاص قد تفيدهم وشكرًا. 💙

كتابة الإعلاناتاليوم الوطنيالسعودية
نشرة قوارش
نشرة قوارش
كلّ سبت

نشرة بريدية أسبوعية تفكّك ألغاز المحتوى لمَن يخوضون معارك سوداء مع الصفحة البيضاء! لن أعطيك نصائح سطحية ولا حِكم مكررة، بل أفكارًا حادّة تساعدك في شحذ قلمك وسنّ أفكارك. 🖋️