نظرية تامر عاشور وعلامات المحتوى «الرخيص»

كلنا مهدّدون بالوقوع في فخّ هذه النظرية، فثمارها دانية والتفاعل معها مضمون!

هل تساءلت -مثلي- لماذا الرياضة الصباحية صفة مشتركة بين معظم الناجحين؟ 

وبغض النظر عن كوننا نختزل النجاح هنا بجزئه المهني والمادي، لكن تأمّل معي:

أليس ذهابك إلى النادي صباحا يعني أن تبدأ يومك بإنجاز مهمة (مهمة جدًا) و(غير عاجلة بتاتًا)؟ هذه البداية تجعلك جائعًا لمثيلاتها، وتدفعك للتركيز في بقية يومك على إنجاز المهم قبل العاجل، وكما أنّ نتيجة الرياضة لا تظهر على جسدك في يوم ولا شهر، فنتيجة ضبط عاداتك الأخرى لن تظهر في مدة قصيرة، وربما لن تلاحظها، لكن سيلاحظها الناس من حولك! والأمر يشمل كلّ ما تفعله من قراءة وتدريب، وسماعٍ واطّلاع، في أيّ تخصّص تسعى إلى التفوق فيه. جرّب أن تبدأ يومك بالرياضة ولاحظ الفرق فيه، وصباحك خير.


بدون مقدمات طويلة. أعتقد أنّ ثاني أسوأ محتوى يمكن أن يصنعه الإنسان أو يساهم في صناعته أو متابعته، هو ما تنطبق عليه مواصفات نمطية عديدة جمعتها في إطار واحد مع أمثلة واضحة، وسمّيتها بطريقتي العشوائية المعتادة: «نظرية تامر عاشور» للمحتوى الرخيص.

ورغم إعجابي بصوت عاشور، واستماعي لأغانيه -لأنّني كبقية الناس أهتم للّحن والصوت أكثر من الكلمات- إلا أنّني لم أستطع تجاهل فكرة تسمية هذه النظرية باسمه. فمعظم أغاني تامر عاشور تؤدّي المهمة نفسها: تجعلك تشعر بالحزن على شيء لا تعرفه بالضبط! لن تحكي لك قصة واضحة، أو تصف لك مشهدًا شاعريًا ساحرًا، أو حتى تصف تجربةً متفرّدة. بل ستسمع كلمات عائمة تقدّم لك دموعًا معلّبة.

هذا بالضبط ما يفعله صنّاع المحتوى من أتباع نظرية تامر عاشور. فهم أولئك الذين لا يبذلون جهدًا في الحبكة أو الفكرة أو تقديم جزء من الحقيقة الغائبة في محتواهم أيًا كانت وسيلته أو منصته. المهم أن يهزّوا مشاعرك لحظيًا ويضغطوك لتضغط زر المزيد أو الإعجاب أو المشاركة.

نستطيع تعريف المحتوى الذي يتبع نظرية تامر عاشور بأنه كل نصّ أو فيديو أو قصة ينشرها صانع المحتوى بهدف إثارة مشاعر سطحية بأفكار معلّبة وقيمة تقترب من الصفر. وأتباع هذه النظرية ستجدهم في عوالم المحتوى باختلاف أشكالها وأهدافها:

  • في ملايين مقاطع «الريلز» التي تهدف إلى دغدغة عواطفك، أو رفع سقف استحقاقك، أو تضخيم ذاتك، أو تسطيح عقلك، أو عيش دور المظلومية، وإقناعك بأنّ مشكلتك الكبرى: طيبة قلبك. 💖

  • في الفلم اللي يغذي حاجتك الى بطلٍ محبوب، تُعجب بصفاته من خلال حبكة رديئة تعتمد على الصُّدف وشُهرة الممثل أكثر من أيّ شيء آخر.

  • في العشرات من البرامج والبودكاست التي صُنعت لاستضافة شخصيات فارغة، لطرح أسئلة ماغصة: هل بكاء الرجل عيب؟ ماذا تعني لك المرأة؟ لو كنت حشرة ماذا ستكون؟…

  • في الحسابات الموجهة للنسويين أو الذكوريين أو المتطرّفين بشتّى مشاربهم...

  • في عناوين الأخبار والمقالات الـمصمّمة لجذب النقرات، عن العلاج الذي سينهي مأساة الصلع في العالم، أو اللقاح الذي يمنع الإصابة بالسرطان، وغيره من المحتوى المضلِّل.

كلّ هذه الأصناف من المحتوى ليست رخيصة لأنّها غير أخلاقية، بل لأنّ التكلفة الفكرية لإنتاجها منخفضة إلى حدّ الانعدام، وقد تصادف محتوًى أخلاقيًا جدًا و(رخيصًا جدًا)، وأترك لك حرّية الفهم والإبحار في الأمثلة.

ستسألني.. لماذا تخبرني يا نواف عن علامات المحتوى الرخيص؟

لإعلان كراهيته، لِلَعن الظلام أثناء إشعال الشمعة. أو حتى من باب «بضدّها تتميز الأشياءُ»، أو لمجرد أنّنا جميعًا مهدّدون بالوقوع في فخّ هذه النظرية، فثمارها دانية والتفاعل معها مضمون!

مَخرج

أعظم أنواع التفاعل في الإنترنت ستجدها مع هذا النوع من المحتوى الرخيص، وفي المقابل يظل المحتوى العظيم حبيس الصفحات المغمورة في زوايا الإنترنت. إن صادفت في طريقك محتوًى ثمينًا لا يعرف عنه الكثير… شاركني إياه.


«كلما تقدم العقل خطوة تراجع الشَّعر خطوتين.»

محمد الماغوط 👨‍🦲


سألنا في العدد الماضي (لماذا نحب الأطفال دون سنّ الكلام 👶) فأعجبني مما قيل:

  • باختصار نحن نحب من لا يتكلم، حتى شات جيبيتي ما نحبه يتكلم — حنان العنزي.

  • لأنهم مع تعلمهم الكلام يقولون الحقائق التي لا نحب أن نسمعها. — منة الله مسعد

  • لأننا نحبهم بدون شروط ولا توقعات. — غالية فهد

  • لأنهم لا يجيدون فن القتل بالكلمات يا سيدي! — محمود شريعي

  • لأنهم النسخة التي نرجو أن تسعفنا الذاكرة لنستعيدها، قبل أن تأتي اللغة. و لأننا نقبل  عليهم بيقين المعطي دون انتظار. — كوثر العوادي

سؤال اليوم أجب عليه في أقل من عشر كلمات: لماذا نُحِبّ أن نُحَبّ؟ 🖤


أفادتك النشرة؟ ودّك تستمرّ؟ أرسلها إلى ثلاثة أشخاص قد تفيدهم وشكرًا. 💙

صناعة المحتوىتامر عاشور
نشرة قوارش
نشرة قوارش
كلّ سبت

نشرة بريدية أسبوعية تفكّك ألغاز المحتوى لمَن يخوضون معارك سوداء مع الصفحة البيضاء! لن أعطيك نصائح سطحية ولا حِكم مكررة، بل أفكارًا حادّة تساعدك في شحذ قلمك وسنّ أفكارك. 🖋️