ليش اللهجة البيضاء كذبة سوداء؟ — والبديل
تعال ننظّر ونتأمّل ونتفق، حتى لو بيننا الاثنين، على تبنّي «نظرية نزار قباني» في الكتابة باللهجة البيضاء!


أقلعت عن لبس النظارات الطبية منذ 2020 بعد عملية فيمتو ليزك ناجحة ولله الحمد. وحتى الآن أرفع يدي بين فينة وأخرى لأضبط نظارتي (غير الموجودة). صحيح أن هذه العادة تظهر على فترات متباعدة جدًا، لكنها مخيفة جدًا. كم من النظارات التي أتوهّم أنني ما زلت أرتديها؟ وكم من الاحتياجات يستغرق التكيف مع فقدانها أكثر من خمس سنوات؟ أصبحنا وأصبح الملك لله!

كل مرة أقرر نشر هذا المقال أتراجع، وأكتب صباح السبت عوضًا عنه موضوعًا مختلفًا! ليس لأنّني إنسان أحب المشي بجانب الحيط، وليس لكثرة الألغام والأسلاك التي تحيط بهذا الموضوع فحسب… لكن لعلمي أننّي لن أحيط بهذا الموضوع علمًا. ثم في لحظة ملل تسلّقت الحيط، وعزمت على نشر ما يمكنني قوله، علّه يفيد أحدًا.
فكلّ من يعمل في كتابة المحتوى والإعلانات والتقارير وغيرها، قد وصله طلب ينتهي بـ«النص مطلوب باللهجة البيضاء» وهي اللهجة التي لم يتفق أحدٌ في هذا الكوكب على حدودها وضوابطها وشروطها.
والمفارقة أنّ صاحب هذا الطلب في الغالب يتوقع منك أن تستخدم «وش» بدلًا من «أيش»، و«تبي» بدلًا من «تبغى»، حتى لو كانت الخيارات الثانية أفصح من الأولى، وأكثر ملاءمةً لثقافة الجمهور المستهدف! فما الذي يدفعهم إلى هذا؟ السبب باختصار: الصورة النمطية.
طيب. كيف نكتب باللهجة البيضاء إذا كان الجميع يريدها ولا أحد يتفق على ضوابطها؟
هذه الأسئلة الصعبة هي التخصص الدقيق لفتاوى نشرة قوارش. فتعال ننظّر ونتأمّل -ببلاش- ونتفق، حتى لو بيننا الاثنين، على تبنّي «نظرية نزار قباني» في الكتابة باللهجة البيضاء. ولا تسألني عن سبب تسميتها باسم نزار، فقط شعرت أنّ هذا النوع من النظريات يذكّرني بشِعره.
ما هي اللهجة البيضاء الحالية؟
بدايةً وبداهةً لا وجود للانحياز العاطفي للهجة دون أخرى. فمعظم لهجات السعودية والجزيرة العربية فصيحة آسرة مفهومة، المهم أن نقول من خلالها كلامًا جميلًا!
مشكلة اللهجة البيضاء أنّها حين تُطلق في سياق المحتوى، يُقصد بها اللهجة الحديثة لمدينة الرياض، في حين أنّ أهل الرياض -وسكّانها الأصليين إن صحّت التسمية- يرون أنّ اللهجة المستخدمة في الإعلانات والمقاطع السوشلية القصيرة ومحتوى المشاهير، لهجةً هجينة لا تمثّل لهجتهم، ولا حتى تجمع باقي لهجات السعودية، بل تُقصي بعض الكلمات وتختار بعضها دون معايير واضحة. والسبب لا يعرفه إلا العالمون بتشكّل اللغات واللهجات. وهذا بعيد عن نطاق كلامنا هنا.
إذن ما الحل؟
الحل أن ندرك ونعترف أولًا أن موضوع اللهجات واختيار المفردات الفصيحة شائك ومعقّد ومتفرّع. وكتابتي عنه نابعة من معاناة وملاحظة، ومحاولة لإيجاد حلّ لرابع المستحيلات. التي أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
يستحيل أن نتفق على جميع ما يمكن تصنيفه عربية فصحى وما لا يمكن.
يستحيل أن نكتب بلهجة قريش لأنها الفصحى الأصلية وما سواها عرنجية.
يستحيل أن نتفق على ما يصح وما لا يصح من التطوّرات الدلالية.
يستحيل أن يتفق اثنان على (جميع) أقوالي في هذا العدد. وليس هذا هدفه.
الهدف أن أنسف حقيقة وجود اللهجة البيضاء، وأن أبني قاعدةً بسيطة يُمكن أن ترأب الصدع بين اللهجات البيضاء المختلفة، وهي نظرية نزار قبّاني:
أن نختار من العامّية ما يقترب من الفصحى المعجمية ونسمّيه أبيضًا. دون أن نُقصي ما سواه.
فمثلًا 🛠️:
«توّي» أفصح من «دوبي». فالأولى من التوّ، والثانية دخيلة على العربية.
«تبغى» أفصح من «تبي»، نقرأ في القرآن الكريم: {ذلك ما كنّا نبغِ}.
«أيش» و«ليش» أقرب من «وش» و«ليه»، فهي متحوّرة من «أيّ شيء» و«لأيّ شيء».
«ويْ» أفصح من «واو»! نعــــــم
«وين» أفصح من «فين» ففي الأولى تحوّرت الهمزة واوًا، وفي الثانية دخلت «في» على «أين» وهذا دخيل على العربية والله أعلم.
«كيف» أفصح من «شلون»، ولا تسألني شلون.
«مضبوط» أضبط من «مزبوط»! وغيرها من تشوّهات النطق في العامية.
أما هذي، وذا، وذاك، وودّي، وخاطري، وأسوّي، وأزعل، وأهوجس، وأسلّك… فكلها عامية فصيحة بيضاء بياضًا ناصعًا. وما أكثر الكلمات التي يظنّها الناس عامّيةً وهي فصيحة. بل تستطيع أن تبني بها معجمًا سعوديًا خالصًا، وتُقسم على بياضه.
والخلاصة
اللهجة «البيضاء» ليست معجمًا محدّد الكلمات! وإلا لتكلمنا بها وقصّرنا المسافات بين المناطق والشعوب. لكن هناك هدف يخفيه مَن يطلبها، وهو أنّه يريد نصًا خفيفًا بسيطًا، ليس فصيحًا جزلًا، ولا عاميًا شوارعيًا. يلامس أوسع جمهور ممكن، بأقرب لغة مفهومة ومألوفة وشائعة.
والحل الذي يقلّل الاختلافات الأبدية:
أن تتحدّث بلغتك التي تشكّلت من كلام والديك ومعلّمي مدرستك وقنوات تلفزيون بيتكم، دون أن تتكلّف شيئا ليس من سجيّتك، إلا ما كان تصحيحًا للنطق أو تقرُّبًا من الفصحى.
أما في كتابة المحتوى، اجتهد في البحث عن أصل المرادفات واختر منها الأفصح والأبسط والأوسط، فهذا هو الأبيض. وحاول أن تعطي نصوصك للمؤدّي الذي تعرف أنه لن يتكلف في نطق ما لا يستقيم على لسانه، ولن يتردد في تعديل بعض الكلمات لتناسب لهجته الطبيعية، فمن المستحيل أيضًا أن تتطابق لهجتك مع لهجة من يسجّل نصّك، حتى لو كان ذكاءً اصطناعيًا.

«حقيقة مأساة الكاتب، أنه لا يمكنه قراءة كتابته كما يقرأها الآخرون، لأنه لا يمكن لنا أن ننسى أننا مَن كتبنا ما كتبناه.»
جيروم فيراري

في ثاني سؤالات «لماذا»، سألنا: لماذا حين نبكي نستغني عن بعض الماء؟ 💧
وأعجبتني هذه الإجابات:
لأن الدمع إذا لم يُسكب سيغرقنا وجعًا — محمد الشيخ
لِنُلطف به جفاف وجوهنا! — أسرار سعيد
نفسٌ تذوب فتقطر — عمار أحمد
لتُخمِد الحريقَ عليكَ أن تتخلَّى عن بعض الماء — فاطمة أيمن
وسؤال الأسبوع -مع فقرة جديدة✨- هنا: لماذا نحب الأطفال دون سنّ الكلام؟ 👶
أفادتك النشرة؟ ودّك تستمرّ؟ أرسلها إلى ثلاثة أشخاص قد تفيدهم وشكرًا. 💙

نشرة بريدية أسبوعية تفكّك ألغاز المحتوى لمَن يخوضون معارك سوداء مع الصفحة البيضاء! لن أعطيك نصائح سطحية ولا حِكم مكررة، بل أفكارًا حادّة تساعدك في شحذ قلمك وسنّ أفكارك. 🖋️